ومع ذلك كله، فإننا نستطيع أن نقول جازمين أننا لم ننجز ثورة ديموقراطية قومية، ولا حتى ثورة ديموقراطية في جزء من المنطقة العربية. وتختلف الثورة الديموقراطية في العالم العربي عن الثورات الأوروبية، لأن هذه الأخيرة قادتها البرجوازية الرأسمالية الصاعدة، والبرجوازية العربية ليست طبقة قائدة، وليست مؤهلة، ولا مستعدة ولا تعتبر هذا دورها، لأنها جزء من العولمة الرأسمالية الجديدة، تنمو على هامشها، وفي ظلها وترتبط بمصالحها، لأن اعتمادها الأساسي قائم على القوى الرأسمالية العالمية. ولذلك فإن ثورتنا الديموقراطية تحتاج الى بناء أوسع تكتل تاريخي بالمعنى الغرامشي من الشرائح الثورية والديموقراطية من الطبقة الوسطى والعمال والفلاحين.
أما الكثيرين من المصريين فعيتبرون الفساد شراً عليهم أن يتعلموا العيش معه، ولهذا لا يؤدي ذلك إلى إثارة نفس مستوى الغضب الذي أثاره الفساد المستشري في الأسرة الحاكمة في تونس. وثمة فارق آخر بين تونس وجيرانها، وهو يكمن في دور القوات المسلحة في النظام السياسي. فيستند الجهاز القمعي التونسي أساساً إلى قوات الأمن الداخلي ووزارة الداخلية التي ظهر منها الرئيس زين العابدين بن علي نفسه، فيما بقيت القوات المسلحة التونسية صغيرة الحجم وفي معزل عن أمور السياسة. ولكن الأمر يختلف في كل من الجزائر ومصر وسوريا حيث تلعب القوات المسلحة ـ خلف الكواليس ـ دوراً أهم بكثير في النظام السياسي وحيث أنها ـ وعلى عكس القوات المسلحة التونسية ـ قد لا تتردد في التدخل لقمع الاحتجاجات في الشوارع إذا شكلت خطراً للنظام.
، خصوصاً على يد الخليفة القادر. في ظروفنا المعاصرة، يمكن تطبيق علمانية غير مناهضة للإسلام، تقوم على دمج الإسلام في نسيج التاريخ الحديث، عبر دعوة الفكر الإسلامي الخروج من الأرثوذكسية الجامدة، أي الإيديولوجية الإسلامية التقليدية، على الثورة المعرفية التي حصلت في الغرب خلال النصف الثاني من القرن العشرين، والتي شكلت تدشيناً جديداً لحداثة فكرية، عقلية متزامنة مع ثورة علمية وتكنولويجة هائلة، أكثر اتساعاً وتجاوزاً للحداثة الغربية الكلاسيكية، لكي يصبح الإسلام قادر على مواكبة العصر الحديث، وامتلاك الوسائل الكفيلة لمواجهة التحديات التي تنهال على العالم العربي والإسلامي من كل حد وصوب، ويبني بشكل مبدع وخلاق وصادق علمانية منفتحة، تكون تجاوزاً للعلمانية المعاشة في الغرب، التي أصبحت بدورها تعيش أزمة عميقة نظراً لعودة العامل الديني، والتقارب بين الكنيسة والدولة العلمانية، خصوصاً بعد احتداد أزمة الاشتراكية المشيدة وانهيارها في البلدان التي قامت فيها، وتفشي الأزمة الأخلاقية في البلدان الرأسمالية في ظل سيادة النزعة المادية الصرفة، وإرهاصات المجتمعات الغربية في البحث عن توازن جديد في حياة الإنسان تجمع ما بين الروحي والمادي، ومن أجل علمنة جديدة تتيح إمكانية وجود روحانية جديدة على حد قول الباحث الفرنسي إميل بولا في علم اجتماع الأديان مجتمع مدني مؤسس على العقلانية والعلمانية ويقوم المجتمع المدني على أساس احترام حقوق الإنسان، وهي جزئياً الحقوق السياسية، ومضمونها يكمن في المشاركة السياسية في الدولة.
رابعاً: إقرار حقوق الإنسان والمواطن، وحقوق الأمم، والنضال لتعميمها، حرية الرأي، حرية العبادة، حق الاجتماع والإضراب، حرية إصدار الصحف، حق تكوين الأحزاب، وضمان الحريات الشخصية. خامساً: إعلان الدولة دولة المواطنين، دولة الحق والقانون. ولكن عملية البناء الديموقراطية هذه، ستواجه عقبات ليست بالهينة حسب تعبير ياسين الحافظ، ذلك لأن الديموقراطية، هذه الوافدة البرانية، لم تجد التربة والمناخ المجتمعين والإيديولوجيين الملائمين لانغرازها وازدهارها.
كيف ستؤثر ثورة الياسمين التونسية في العالم العربي؟انطلقت الانتفاضة التونسية كاحتجاج تلقائي ضد انتشار مشكلة البطالة وتبخر توقعات الشباب في مجتمع ترتفع فيه نسبة التعليم وتنمو فيه الطبقة المتوسطة. وخلال أقل من شهر، اكتسحت موجة الاحتجاجات التي شهدتها الشوارع التونسية أحد أكثر الأنظمة قمعية في المنطقة ليصبح فصلاً من فصول التاريخ، وذاعت صدى هذه الاحتجاجات وانتشرت صورها انتشار الحريق في الغابة لاسيما في ظل توافر الوسائل والتكنولوجيا الحديثة مثل مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الجوالة والقنوات الفضائية، فتحولت إلى وسيلة لإدانة نظام ديكتاتوري فاسد وإلى مطالب بالحرية والديمقراطية. وهنا يبرز العديد من الأسئلة، ومنها: هل يمكن أن يتحقق الانتقال السلمي إلى الديمقراطية؟ وهل ستحقق الأحزاب الإسلامية نفوذاً كبيراً في النظام السياسي؟ ولكنني أركز هنا بشكل رئيس على التعقيدات التي تحملها هذا التطورات في طياتها بالنسبة للدول الأخرى في العالم العربي مثل الجزائر، ومصر، والأردن، والمغرب، وسوريا. العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي وقفت وراء هذه الانتفاضة هي من ضمن القواسم المشتركة الهامة بين تونس والدول الأخرى، فتعيش المنطقة برمتها حالياً عهداً هو عهد نمو الفئة الشبابية من السكان والتي يتراوح عمرها بين 15 – 29 سنة، ولم يسبق مثيل له في تاريخ النمو الديمغرافي بالمنطقة، وبدوره فرض هذا النمو الديمغرافي الشبابي ضغوطاً على منظومة التعليم وأسواق العمل، وازداد الطين بلة في ظل انهيار النموذج الاقتصادي الذي كفل، أساساً، بالوظائف في الجهاز البيروقراطي وقطاعات الدولة لكل شخص حصل على شهادة جامعية، وحتى الثانوية العامة في بعض الحالات.
هل هذا يعني أن الثورة التونسية لم تكن لها هوية فكرية و سياسية بعينها ؟ تنظر الأوساط السياسية التونسية بشيء من التفاؤل الحذر الذي يرتقي إلى درجة الخشية من «انتكاس الثورة»، خلال المرحلة الانتقالية التي دخلتها تونس تحت حكم حركة النهضة الإسلامية المدعومة بائتلاف من حزبيين أساسيين في المجلس الوطني التأسيسي المنبثق عن انتخابات 23 أكتوبر الماضي. وتكاد مختلف الأحزاب السياسية التونسية تجمع على ضبابية هذه المرحلة التي لم تحدد مدتها، مشيرة إلى أنها قابلة لأن تفرز معطيات متعددة لن تنسجم بالضرورة مع أهداف الثورة التونسية التي اندلعت في 17 ديسمبر من عام 2010. وترى المعارضة التونسية أن حركة النهضة الإسلامية «ضاق صدرها بالديمقراطية» خلال الأيام الأولى من ممارستها السلطة، فيما ذهب البعض من أركانها إلى حد اتهام حركة النهضة بالعمل من أجل «إعادة إنتاج ديكتاتورية من نوع جديد».
هذا الجيل من الشباب الذي فجّر الثورة تفوق في استخدام الأنترنت على نظيره في دول أكثر تقدماً من تونس ، على سبيل المثال، الأرجنتين وتركيا وتشيلي، حيث أن الانترنت تحول إلى سلاح المجتمع المدني التونسي في مواجهة الديكتاتورية البوليسية. لم تكن الثورة التونسية هذه ،ثورة إسلامية ،لأن شباب الثورة لم يستعينوا بالإسلام كما فعل أسلافهم في الجزائر في أواخر الثمانينات، ويعبّرون قبل كل شيء عن رفض الديكتاتورية البوليسية الفاسدة ويرفعون مطلب الديموقراطية.
كما أن العلمانية التي عبرت عن الصراع بين النظام المعرفي الثقافي القديم والنظام المعربي ـ الثقافي الجديد، بوصفها إحدى خاصيات المجتمعات الغربية، التي انتصرت فيها البرجوازية الرأسمالية الصاعدة على الكنيسة، ونجحت في ترسيخ القيم العلمانية على صعيد الدولة والمجتمع، شكلت فتحاً برجوازياً غريباً لحداثة فكرية في تاريخ البشرية، مثلها في ذلك مثل الحداثة، التي تنتمي الى كل العصور التاريخية، باعتبارها الموقف الديناميكي النقدي التايرخي الذي تقفه الروح البشرية أمام الواقع والتاريخ، الذي يصنعه البشر في المجتمع. وهذا الموقف وجد في القرون الهجرية الأولى من أوج قوة الدولة العربية الإسلامية.
متوسّط الأجور بالدول العربية : تونس في ذيل القائمة - Jawhara
إلى ذلك، فإن فساد النظام التونسي يختلف إلى حدما عن فساد الأنظمة في الدول العربية المجاورة له. ومثال ذلك أن الفساد والمحسوبية شائعان في الجزائر ومصر والمغرب شيوعاً كبيراً، وتجني ثمارهما شريحة كبيرة من هذه المجتمعات حيث يتم توزيعها بين الطبقات المتوسطة لاسيما أولئك الذين لهم روابط بالجهاز البيروقراطي والقوات العسكرية والأمنية. وعلى عكس ذلك، الظاهر أن الفساد في تونس حصري لعائلة الرئيس وأقربائه الذين احتكروا الكثير من ثروات الدولة.
وتشكل الحرية الفردية، والحريات العامة، أساس المجتمع المدني. إن المجتمع المدني بهياكله الاقتصادية، وانقساماته الطبقية، والفئوية، وتبايناته الاجتماعية، وتكويناته السياسية والنقابية الذي تحكمه مبادئ المواطنة، والمساواة السياسية والقانونية، بين الأفراد في الحقوق والواجبات، والمشاركة السياسية للشعب من خلال الانتخابات الاشتراعية، والرئاسية، والبلدية، والمحلية، لانتخاب الممثلين عنه للإضطلاع بأعباء السلطة في الدولة الديموقراطية، باعتبار أن الشعب أوالأمة، هو مصدر السلطات الذي لا يتحقق كمبدأ الا في ظل سيادة الديموقراطية، بوصفها أيضاً المساحة التي يتقاطع فيها المجتمع المدني مع الدولة، فإن هذا المجتمع المدني عينه، هو مجتمع الاختلاف والتعدد، والتعارض، والتناقش داخل بنيانه وهياكله الاجتماعية والسياسية. إن الاختلاف، والتعدد، والتعارض، والتناقض، صفات جوهرية متأصلة في الأفراد، والجماعات، والطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة، والأمم، والدول، والشعوب، والحضارات، وهي جميعها كظاهرات متأسسة بعضها على البعض الآخر في علاقة ديالكتيكية، تشكل قانون التغيير، والتطور والتقدم في حركة التاريخ بوجه عام، وتاريخ الديناميات الداخلية للمجتمع المدني بوجه خاص.
فالدولة الأموية والعباسية هي دولة علمانية وعقلانية، وشهدت حركة تنويرية وعلمانية قل نظيرها تمثلت بحركة المعتزلة، التي طرحت مشكلة ما دعته «القرآن المخلوق». إنه يمثل موقف حداثة في عز القرن الثاني الهجري/أو الثامن الميلادي، وكان هذا الموقف التيولوجي المبكر الذي اتخذه المعتزلة يفتح حقلاً معرفياً جديداً قادراً على توليد عقلانية نقدية مشابهة لتلك العقلانية التي يشهدها الغربي الأوروبي بدءاً من القرن الثالث عشر لولا معارضة الأرثوذكسية الظافرة (الإيديولوجية الأشعرية) في القرن الخامس الهجري ـ الحادي عشر الميلادي..
ويقول بعضهم إن الإسلاميين الحداثيين أصبحوا أكثر إسلاماً، في حين أن الإسلاميين الأصوليين أصبحوا أكثر ليبرالية! وهذه الإشارة البالغة الذكاء التي سجلها بايندر في كتابه الصادر عام 1988، ربما كانت نبوءة مبكرة تحققت في عام 2011، بعد قيام ثورات الربيع العربي، والتي شهدت صعوداً مؤكداً للإسلام الليبرالي في كل من تونس والمغرب، وأكدت التصريحات القاطعة التي صدرت عن زعماء حزبي «النهضة» في تونس و «العدالة والتنمية» في المغرب قبولهم للفكر الليبرالي(). مخاوف من انتكاسة الثورة التونسية رغم أن مسار الثورة التونسية وشعاراتها ومطالبها رسمت طريقاً واحداً يفرض نفسه بقوة تاريخية يصعب مقاومتها. طريق يؤدي، أو ينبغي أن يؤدي الى بناء دولة ديموقراطية تعددية تحترم الحريات العامة و الحريات الفردية ، وتستند إلى قيم العدالة والمساواة للجميع، فإن الثورة التونسية لم تنتج في سيرورتها ذلك الجدل الفكري حول شكل وطبيعة الدولة الجديدة التي يجب أن تحل محل النظام القديم الذي سقط.
(البث المباشر للتلفزيون!) كندا المغرب عبر الانترنت 1
كلمة في الثورة التونسية في الذكرى الأولى للثورة التونسية: التحدّيات و العوائقفي الرابع عشر من شهر يناير/ جانفي 2011،أسقط الشعب التونسي نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن على، باعتباره نظاماً استبداديّاً تحول إلى حكمٍ «كليبتوقراطي» – أيّ نظام قائم على السرقة والفساد – مستنداً إلى سلطةٍ فرديّة قمعيّة. وقد تجسّد حكم بن علي في سيطرة عائلات مافياوية نهبت المجتمع التونسيّ ، أبرزها عائلة زوجته ليلي الطرابلسي. كان المحرك الرئيس لهذه الثورة التونسية جيل الشباب الجامعي و المتعلم ، الذي يعتبر الأكثر ثقافة من سابقه، ويعيش أكثر في إطار عائلات نواة، وينجب أولاداً أقل، لكنه في الوقت نفسه عاطل عن العمل أو يعيش في وضع اجتماعي متدنٍّ.
ولم تؤد السياسات القائمة منذ زمن طويل والتي تم الشروع في تطبيقها في الستينات إلى انتفاخ الجهاز البيروقراطي فحسب بل أسهم أيضاً في صياغة نموذج التعليم الذي حصل عليه الملايين – وهو تعليم اهتم بالحصول على الشهادات الرسمية التي لا بد منها لشغل وظائف حكومية بدلا من التركيز على تطوير وتنمية مهارات إنتاجية يتطلبها الاقتصاد في عصر العولمة الذي يتنامي فيه دور القطاع الخاص، وعندما بلغت نتائج هذه السياسات ذروتها في عقدي الثمانينات والتسعينات توقفت الحكومات عن توظيف الأفراد تماماً، فاكتشف الشباب أن الشهادات العلمية التي حصلوا عليها لا تساوي شيئاً وليست لها أدنى قيمة، إلا أنهم ظلوا متمسكين بتوقعاتهم العالية ليحققوا لأنفسهم مكانة الطبقة المتوسطة في المجتمع وذلك من خلال الحصول على الوظائف الرسمية، وعندما اتضح وبشكل متزايد أنه لا يمكن أن تتحقق هذه التوقعات على أرض الواقع فظهر لديهم شعور بالغضب والإحباط، ورغم أن تونس تمكنت من تحقيق معدل نمو أعلى ونشاط اقتصادي أكبر نسبياً مقارنة بالدول المجاورة لها، إلا أن ذلك لم يسعف لتلبية توقعات الشباب التونسيين. ولا شك أنه، وبجانب الشعور بالإحباط والغضب السائد في أوساط الشباب، تم استخدام تكنولوجيا المعلومات الحديثة بغية نشر الأخبار والصور نشراً سريعاً والمساعدة في تنظيم الاحتجاجات في الشوارع، الأمر الذي كان له الأثر الأكبر في إنجاح ثورة الياسمين.
| جريدة الشروق التونسية
كلمة في الثورة التونسية في الذكرى الأولى للثورة - Nawaat
ليبيا ترسل مساعدات غذائية إلى تونس التي تواجه أزمة شح في
تحدي تونس المقبل: إصلاح الاقتصاد قبل فوات الأوان
إنه جيل الشباب الأكثر اطّلاعاً، ويملك في معظم الأحيان إمكانية الولوج إلى وسائل الاتصالات الحديثة (شبكة الأنترنت)التي تتيح التواصل من فرد إلى آخر من طريق الشبكات من دون المرور بوساطة الأحزاب السياسية (المحظورة في مختلف الأحوال). إنه جيل الشباب التعددّي ،المنتمي إلى شعبِ هو من الأكثر تعليماً والأرقى علمانيّةً في العالم العربيّ. ماميّز جيل شباب الثورة التونسية ، أنه جيل متحرر من قيود المدارس لأيديولوجية التي سادت في القرن العشرين ، فهو جيل جديد لا يهتم بالأيديولوجيا: فشعاراته كلها براغماتية وملموسة «إٍرحل».
ومن هذا المنظار، فهي تدخل في مقولة الحرية السياسية، وحقوق الإنسان هي حقوق عضو المجتمع المدني المتحرر سياسياً. أما مرتكزات إعلان حقوق الإنسان، فتتمثل في المساواة السياسية والقانونية، والحرية، والملكية الخاصة. وتشكل الحرية الفردية، والحريات العامة، أساس المجتمع المدني. إن المجتمع المدني بهياكله الاقتصادية، وانقساماته الطبقية، والفئوية، وتبايناته الاجتماعية، وتكويناته السياسية والنقابية الذي تحكمه مبادئ المواطنة، والمساواة السياسية والقانونية، والحرية، والملكية الخاصة.
العقبات البنيوية العقبة الأولى: التي عرقلت تارة أوصدت تارة أخرى عملية البناء الديموقراطي هذه هي افتقار مجتمعاتنا العربية الى القيم التعددية، إن المونوليتية أوالتكتلية السائدة في البنيان الأيديولوجي للبلدان العربية تناقض على خط مستقيم البنيان الإيديولوجي للديموقراطية الذي يقوم على تسوية أو حل وسط بين آراء أو مصالح متعارضة. أضف إلى ذلك أن الأساس الإيديولوجي للديموقراطية إنما يرتكز على فكر دنيوي (وضعي)، علمي يرى الى الحقيقة كشيء نسبي يجري تخطيه جدلياً مع كل خطوة تخطوها المعرفة الى الأمام، في حين أن البنيان الأيديولوجي للبلدان العربية، يرتكز على فكر إيماني دوغمائي، يعتبر المعتقد الإيماني حقيقة كلية مطلقة، اجترحت مرة واحدة والى الأبد. العقبة الثانية: التي عرقلت وتعرقل عملية البناء الديموقراطي، في بلد متأخر هي الانقسامات التقليدية أو (انقسامات المجتمع التقليدي العمودية، الفئوية، المحلية، الإقليمية)، التي تفتت أو تذرر الأمة، بل بالأحرى تجعل الأمة في حالة تفتت وتذرر. سادساً: إن المشروع العروبي الديموقراطي يناضل من أجل علمانية غير مناهضة للإسلام التاريخي، لأن الإسلام في العالم العربي والإسلامي، ليس فيه كنيسة، وحتى المؤسسة الدينية الرسمية المرتبطة بالدولة التسلطية العربية وتوظفها أنظمة الرأسمالية التابعة في نطاق المحافظة على الإيديولوجية التقليدية، والواقع المجتمعي التقليدي، ليست هي وحدها موجودة في المجتمع، بل إنها تجد منافسة قوية جداً من المعارضات الإسلامية التي تطعن في صدقية تمثيلها للإسلام، كما هي الحال في مصر والجزائر الخ… والإسلام إسلاميات هناك الإسلام الرسمي، والإسلام المعارض، وهناك الإسلام السلفي والإسلام الجهادي التنويري.
لكنّ مزايا هذه الثورة التونسية ، لا يجوز أن تخفي عنها نقاط ضعفها الأساسية، فهي ثورة لم تفرز حزبها السياسي الثوري ، و لم تكن لها قيادة موحدة، ، ولا برنامج سياسيّ، ولا مشروع مجتمعي بديل لكي تكون لها القدرة على النهوض بشؤون المجتمع بعد الإطاحة بالرئيس المنبوذ. و إذا كان إسقاط الديكتاتورية البوليسية ، و تفكيك المنظومة الحزبية و الأمنية التي كان يعتمد عليها الرئيس المخلوع بن علي ، يعتبر مكسباً مهماً للشعب التونسي، فإن نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي جرت في 23 أكثوبر 2011، أفرزت فوز حزب «النهضة» الإسلامي ، الذي شكل الحكومة الإسلامية الجديدة بمشاركة هامشية من قبل حزبين آخرين: حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، والذي اختير منه عضو ليكون رئيساً موقتاً للجمهورية، وحزب «التكتل من أجل العمل والحريات»، والذي اختير منه عضو ليكون رئيساً للمجلس التأسيسي،وانتهت بمطاف الثورة التونسية إلى تبديد الكثير من الحرّيّة التي تمّ الاستحواذ عليها.
ودفعت هذه الاتهامات التي بدأ صداها يتردد بالمقاهي على ألسنة المواطنين العاديين، نوال الهميسي عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي إلى القول، إن ثورة 14 يناير التي أطاحت بنظام بن علي، «لم تكتمل بعد». يعترض بعض غلاة العلمانية التونسيين و العرب على الموقف «الانتهازي» و«الوصولي» للإسلاميين من الديموقراطية ونظرتهم الأداتية لها ،التي تجردها من مضمونها الثقافي وتحولها إلى مجرد آليات للوصول الى السلطة ـ وإضمارهم النية في الانقضاض عليها بعد اعتلاء السلطة، والعودة بالحياة السياسية إلى نفق العلاقة التلازمية بين الدين والدولة، والى إنفاذ مشروعهم القاضي بتطبيق الشريعة الإسلامية، أو بدعوى موقفهم المتزمت من حقوق المرأة ومن حرية الرأي، و حرية الإعلام ، ومن الحريات الفردية التي يرون فيها انتهاكاً لنظام القيم الإسلامية. بإمكان حركة النهضة الإسلامية التي أصبحت في السلطة في تونس، و تشهد نمو نزعة نحو الليبرالية في ممارساتها، فيما يتعلق بهذه المواضيع كافة، أن تصبح مكوناً أساسياً من مكونات المجتمع المدني الحديث ، على غرار الديمقراطية المسيحية في أوروبا، و هذا يقتضي منها أن تعمل بشكل جدي من أجل بناء الدولة الديمقراطية التعددية، و أن تتبنى رؤية علمانية غير مناهضة للإسلام، وبذلك تسهم في بناء نموذج حقيقي في تونس يُحتَذَى به عربياً، بدلاً من التغني بالنموذج الأردوغاني التركي.
أخبار تونس: آخر الأخبار الوطنية والجهوية على راديو موزاييك